الحديث ذو شجون ..وداعاّ ملك الكرة !

10:58 ص, 31 ديسمبر 2022
الحديث ذو شجون ..وداعاّ ملك الكرة !

فايز نصّار - شبكة بلدنا الاعلامية
قليل منا يعرفون الرئيس الأرجنتيني ، المحامي البرتو فرنانديز ، وربما أقل منهم من يعرفون الرئيس البرتغالي البروفيسور مارسيلو دي سوزا ، فيمّا القليل منّا لا يعرفون الأرجنتيني ليونيل ميسي ، والبرتغالي كريستانو رونالو ، اللذين يشغلان الناس !
يحدث هذا في معظم الدول الغربية ، حيث يتولى المسؤول السياسي مهامه بعيداً عن الضوضاء والجلبة ، ويغادر منصبه بهدوء عندما تعضه الصناديق بنابها ، بمّا يجعل المبدعين - وخاصة نجوم الساحرة المستديرة - أكثر قرباً من الجماهير ، التي تحملهم على الأكتاف ، كلما زاد فعلهم الميدانيّ ، ولا تتنكر لهم عندما يعلقون أدوات الإبداع .
ولا يبدو أنّ الأمر كذلك في الدول المسماة بالعالم الثالث ، التي تعجّ بصور السياسيين ، ويحفظ الغلابى أسماء قادتها أكثر من حفظهم تاريخ ميلاد أبنائهم .. دليل ذلك أننا نعرف وليد جنبلاط بيك منذ أربعين سنة ، وبالكاد نعرف اسم أيّ لاعب لبناني ، ونعرف أسماء كثير من قادة فصائلنا أكثر من معرفتنا مروان كنفاني ، وأحمد عليان ، وجمال الخطيب ، وعارف عوفي ، وبربز !
تذكرت هذا ، وأنا اتصفح سيرة ملك الكرة الراحل البرازيلي بيليه ، الذي استقبله يوماً الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان ، فعرّف بنفسه قائلاً : أنا رونالد ريغان ، أمّا انت فلا داعي للتعريف بنفسك ، فالعلم كلّه يعرفك ! لأنّ دقات أقدام الجوهرة البرازيلي في الملاعب ، تركت بصمات خالدة ، جعلته من أفضل نجوم الكرة في التاريخ ، إن لم يكن أفضلهم ، علماً بأنّ ريغن كان ممثلاً يشار إليه بالبنان في هوليود .
وقد لخص النجم البرازيلي نيمار كلّ شيء بكلمات ليست كالكلمات ، رثا فيها ملهمه الراحل قائلاً : " قبلكَ كانت كرة القدم مجرّد رياضة ، أنتَ جعلت منها فنّاً ، وإبداعًا ، وإمتاعًا.. وداعا ملك الكرة.. " .
وكانت موهبة الجوهرة السوداء تفتحت في مونديال السويد سنة 1958 ، ليصبح أصغر لاعب يفوز بلقب المونديال ، قبل أن تكتمل الصورة بتتويجه بالكأس الأغلى ثلاث مرات ، وتسجيله خلال مسيرته 1282 هدفاً ، معظمها مع ناديه سانتوس ، بما يجعله أكثر لاعب تسجيلاً للأهداف ، والوحيد الذي فاز بكأس العالم ثلاث مرات !
وبعيداً عن لغة الأرقام ، التي تنحاز لبيليه لست ممن يفضلون المقارنة بين نجوم الكرة ، لأنّ لكلّ زمان دولة ورجال ، ولأنّك لا تستطيع أن تقارن بين سلفادور دالي ، وليوناردو دا فينشي ، فكلاهما فنان عظيم ، ويشكل كلّ منهما محطة هامة في سجلات الفن العالمي !
ورغم ذلك حاول النقاد إجراء مقارنات كروية ، تشبه موازنة أبي القاسم الآمدي بين أبي تمّام والبحتري ، ووساطة القاضي الجرجاني بين المتنبي وخصومه ، بما ساهم في إنصاف المتألقين ، وأثري مفاهيم الناس حول النجومية ، ومصادر الإبداع ، فدخل الكُتّاب في مقارنة جدلية بين ميسي ورونالدو ، بعد كلام جدليّ كثير حول بيليه ومارادونا !
وكان المعلق السوري الراحل عدنان بوظو أحد الذين قارنوا بين بيليه ومارادونا ، في كتاب فصل فيه جوانب التألق والإبداع بين النجمين الكبيرين ، واصلاً بالبديهة الصائبة إلى أنّ كلّ منهما سيد زمانه ، وأنهما يمثلان علامات فارقة في تاريخ الكرة العالمية !
وبعد نهاية مونديال المكسيك 1986 ركب شاعرنا الراحل محمود درويش الموجة ، وكتب كلاماً شاعرياً عن بطل مكسيكو مارادونا .. وأخال أنّ صاحب مديح الظلّ العالي يرى أن بيليه أيضاً يستحق هذا الكلام ، الذي جرّه إلى التساؤل : " لمن سنرفع صراخ الحماسة ، والمتعة ، ودبابيس الدم ، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود ، وأجج فينا عطش الحاجة إلى بطل... بطل نصفق له ، ندعو له بالنصر ، نعلّق له تميمة ، ونخاف عليه ، وعلى أملنا فيه من الانكسار ؟ .
وأعترف هنا بأنّ مشاهداتي لبيليه كانت قليلة ، لأنّ جيله سبق جيلي ، فيمّا تمتعت بكلّ التفاصيل المارادونية ، كون المشاغب الأرجنتيني من أبناء جيلي .. ورغم ذلك أجد نفسي منحازاً لبيليه ، انطلاقاً من لغة الأرقام ، ولأنّ بيليه لم يثر الجدل حول تصرفاته غير المقبولة خارج الملاعب .. ومع ذلك أحترم آراء الجميع ، وأقبل برأي من ينحازون لمارادونا ، لأنّ لديهم مسوغاتهم ، تماماً كما أقبل من ينحازون ليونيل ميسي ، او لكريستانو رونالدو ، لأنّ لكلّ منهم خصوصيات فوق المستطيل الاخضر ! ...وشرطي هنا أن لا يخرج علينا من يدعي بأنّ بيليه سجل أهدافه قبل تشريع التسلل ، الذي بدأت معالم تطبيقه تظهر منذ قرن .
وغير مقبول لكائن من كان أنّ ينتقص من نجومية أيّ من هؤلاء ، لأنّهم امتعونا لسنوات طويلة ، ولذلك تهتز أبداننا عند رحيلهم ، لأنّ خصوصيتهم قد لا تتكرر ، فتعالوا نستمتع بفنونهم الكروية ، ونقول وداعاّ ملك الكرة ، الذي أبّن مارادونا منذ مدة ليست طويلة قائلاً : أتمنى أن نواصل لعب الكرة في العالم الآخر !
والحديث ذو شجون
السبت : 31 كانون اول 2022

الحديث ذو شجون ..وداعاّ ملك الكرة !
الحديث ذو شجون ..وداعاّ ملك الكرة !
الحديث ذو شجون ..وداعاّ ملك الكرة !